وداعًا مؤتمر E3: لماذا ضحت صناعة الألعاب بابنها المدلل ومعرضها المبجل؟

لا شك وأن معرض الألعاب الأضخم في تاريخ الصناعة الحديثة -نسبيًا- المسمى بـ E3 يعتبر أحد أكبر الأحداث الي ننتظرها في صيف كل عام حيث تأتينا الإعلانات الضخمة، والخطابات الحماسية لمخرجي ألعابنا المحبوبين، فأنا شخصيًا لا أستطيع نسيان وقوف المخرج Todd Howard في وقت استعراض لعبة Fallout 4، كيف كانت تلك اللحظة الفارقة التي جعلتني أنتظر E3 كل عام حتى جاء نفس المخرج وحمسنا للعبة أخرى من نفس السلسلة وهي Fallout 76، ثم كانت الكارثة وقت الإطلاق. جميعها لحظات مهمة في حديثنا عن مستقبل E3.

ولا أستطيع أيضًا نسيان الاستعراض الأول للعبة Assassin’s Creed IV Black Flag في عام 2013، والكثير من اللحظات العالقة في ذهني وتشكل جزء من شخصيتي وكياني كلاعب وعاشق للألعاب، ولكن وللأسف قضت الظروف بأن يُلغى مؤتمر E3 لعام 2023 مع شكوك كثيرة -ومبررة- حول إمكانية عودته.

نتيجةً لبعض المعطيات، والتغيرات التي طرأت على صناعتنا الحبيبة، لم يعد لأهم حدث سنوي للألعاب مكانًا في الصناعة على ما يبدو، كيف ولماذا وما هو البديل…هذه الأسئلة وأكثر نحاول الإجابة عنها في مقالتنا لليوم، حول مستقبل E3.

لماذا يتمتع E3 بمكانة كبيرة بين “الحرس القديم” لصناعة الألعاب؟

لعلك تتساءل عن سبب كلمة “الحرس القديم” التي استخدمها في عنوان هذه الفقرة، حسنًا، دعني أشرح لك.. كل أولئك الذين نمى وعيهم لصناعة الألعاب في فترة ما بعد وباء كوفيد 19 لا يعرفون أهمية E3 بالنسبة للصناعة واللاعبين. لقد تراجعت مكانته في السنوات الثلاثة الأخيرة بشكل كبير نظرًا إلى الانغلاق الذي دخل فيه العالم خلال محاولات احتواء الوباء، ولكن قبل تلك السنوات كان المعرض هو الحدث الأهم في سنة كل جيمر.

لقد بدأ معرض E3 حين قررت جمعية برامج الترفيه أو ESA في عام 1995 أن تبدأ حدثًا مخصصًا للألعاب والشركات التي تنتج منصات خاصة بالألعاب، ونجح ذلك الزخم في إقناع شركات كبرى أهمها “سوني” و”نينتندو” و”سيجا” في التواجد في ذلك الحدث الجديد المسمى وقتها Electronic Entertainment Expo (E3) والإفصاح عن معلومات هامة تجعل الحدث ذو قيمة.

ومن الشركات التي شاركت من مطوري الألعاب كانت EA وكابكوم أكتيفيجن وغيرهم من الشركات التي جعلت من المعرض في عامه الأول حدثًا لا يفوت. يكفيني أن أقول لك أن سوني قد أعلنت وقتها عن موعد إصدار جهاز بلايستيشن الأول في معرض E3، كما أعلنت Sega عن جهازها Sega Saturn، وكان المعرض بمثابة أول فرصة حقيقية لتجربة جهاز الواقع الافتراضي الأول حينها Virtual Boy، والذي تحول بعدها إلى أحد أفشل الأجهزة التي تم إصدارها على الإطلاق، ولكن هذا موضوع آخر لوقت آخر…

قبل ذلك الحدث الذي غير صناعة الألعاب بشكل جذري، كانت الألعاب والأجهزة الخاصة بها حاضرةً في مؤتمر CES أو consumer Electronics Show جنبًا إلى جنب مع الشاشات والكاميرات والأجهزة الأخرى، ومن الضروري أن ضع نفسك مكان هؤلاء الذين عاصروا تلك الحقبة، ومدى شعورهم بالضآلة أمام الاهتمام المستقل والمركز على المنتجات الأخرى، في مقابل الشعور بالنشوة والانتصار لما يحبون عندما نجح مؤتمر E3 في أن يضع نفسه ضمن أكبر الأحداث السنوية.

الحصول على أول مؤتمر مخصص للألعاب بشكل كامل، والتجمع لتجربة مختلف الألعاب الجديدة، وحضور الإعلانات الأولى لألعاب كبيرة أخرى، كانت هذه هي الأجواء الاحتفالية السائدة لسنوات وسنوات وكان الصيف هو الموعد الذي اختاره المنظمون في البداية، واستمر في كونه الموعد الرسمي للمؤتمر لأسباب عدة أولها استهداف الألعاب لفئات عمرية صغيرة غالبيتها من الطلاب الذين يكونون أكثر تفرغًا في الصيف، بجانب اعتماد صناعة الألعاب منذ بدايتها تقريبًا على مواسم الأعياد والخريف في المبيعات، وعادةً يكون الصيف أقل ازدحامًا بالإصدارات، وبالتالي هو فرصة لتعيد كل الشركات المنخرطة بالصناعة ترتيب أوراقها، والإعلان عن مشاريعها الجديدة، أو التشويق لأخرى يتم العمل عليها منذ فترة.

أحب اللاعبون حول العالم التغطيات الإعلامية المكثفة للمؤتمر طوال أيامه، والانطباعات التي يحصلون عليها حول ألعابهم الجديدة، بل إن حلم الكثيرين منا كان دائمًا السفر لحضوره مع الأصدقاء في يوم من الأيام، لقد كان ككأس العالم لكرة القدم بالنسبة لنا نحن اللاعبين، ولكن توقفه – وإن كرهنا ذلك – قد يكون لأسباب نستطيع منطقيًا تتبعها واستنتاجها، ولكن أكثر ما يقلقنا نحن “الحرس القديم” هو مستقبل تلك الصناعة فيما بعد هذه الفترة؟ بالطبع قد تغيرت الكثير من العناصر منذ بداية E3 وحتى الآن.

على سبيل المثال، هناك قطاع ضخم من اللاعبين بات لا يعترف بالنسخ الفيزيائية من الألعاب، فلما يجب أن يظل كل شيء “فيزيائيًا”؟

أسباب الإلغاء: متغيرات كثيرة ومحاولة لمواكبة العصر والتحرر من قيود الماضي

يمكننا القول بأن الظروف قد اجتمعت لتجعل صعوبة الاستمرار في عقد E3 كحدث سنوي أمرًا واقعًا حتى وإن كرهناه، شخصيًا أكره أن يُلغى ذلك الحدث المُحبب إلى قلبي، ولكني أستطيع رصد المعطيات التي أدت إلى ذلك بمنتهى الوضوح.

كانت البداية مع وباء كوفيد 19 بالتحول الرقمي، بعد أن أفسد علينا الوباء متعة الاجتماع لسنتين على الأقل -أكثر في بعض المناطق- وجعلنا غير قادرين على الاستمتاع بالمناسبات الجماعية كما كان الأمر سابقًا، ووقتها تحولت الكثير من المؤسسات إلى العمل من المنزل أو العمل بشكل رقمي “أونلاين” حتى تنتهي الأزمة، ولكن بعد انتهاء الأزمة وجدت بعض المؤسسات أن العمل بنسبة 100% على الأرض لم يعد أمرًا مجديًا وربما القيام ببعض المهام من المنزل هو الخيار الأفضل.

ليست صناعة الألعاب فقط هي من تعلمت الدرس من فترة الإغلاق العام تلك، وإنما معظم الشركات والكيانات الكبيرة، فالاجتماعات عبر الشبكة أصبحت خيارًا مفضلًا لدى الكثيرين، ومعها جاءت أفكار مثل “Summer Game Fest” الذي يستضيفه الصحفي المرموق “جيف كيلي” وهو حدث رقمي نجح في جذب الكثير من الأضواء في السنوات الأخيرة، بل إن بعض الناس يعيد سبب إلغاء E3 بشكل مباشر إلى نجاح “جيف كيلي” في إيجاد بديل رقمي قوي لهذا الحدث الذي توجب على الجميع التواجد فيه.

وهنا يأتي السبب التالي، هو العبء المادي الذي يتكبده المنظمون لتوفير المكان والوقت لجمع عدد كبير من اللاعبين.

هذه ليست الأسباب كلها، فهناك أيضًا اضطرابًا واضحًا في جدول أعمال كل شركات الألعاب خصوصًا تلك التي امتلكت مشاريعًا ضخمة عملت عليها في فترة الوباء وتريد إما العمل على أجزاء جديدة منه بجودة أفضل، أو إكمالها هي نفسها وإطلاقها في مواعيد مناسبة.

لا يخفى على أحد أن هناك من ما زال يتعافى من تلك الأزمة، حتى بعد مرور 3 سنوات على الإغلاق العالمي الكامل، ولذلك ظهرت أحداث خاصة لكل شركة مثل Sony State of play و Xbox Developer Direct و Capcom Showcase وغيرها من الأحداث التي تخصصها الشركات للإعلان عن مشاريعها الخاصة عندما تكون جاهزة، وليس عندما يحين وقت الإعلان عن شيء ما.

لعلك تسأل، كيف يؤثر هذا على E3؟ دعني أوضح لك ذلك أيها القارئ العزيز..

تضع الأحداث الكبيرة مثل E3 الضغط على المطورين بوجوب تحضير شيء للإعلان عنه في فترة الصيف، وتحديدًا مؤتمر E3 وحتى وإن كان ذلك الوقت لا يتناسب مع جدول أعمال المطورين. وهنا تأتي المفارقة، والمفاضلة بين الاجتهاد والعمل لوقت إضافي لكي يلحق المطورين بالموعد المحدد أو للحاق بالوقت المحدد لإطلاق المشروع نفسه.

لكثير من الوقت كان من العار أن تغيب الشركات الكبيرة عن مؤتمر E3، وإذا حضرت دون إعلانات كبيرة، يتم النظر إليها على أنها شركة كسولة لا تعمل على مشاريع جديدة بشكل كافي، وربما يؤثر ذلك على شهية المستثمرين في ضخ المزيد من الأموال في الشركة، أما الإعلان عن المشاريع بما يتناسب مع كل شركة والمطورين العاملين تحت مظلتها يشكل عنصر أساسي في ترسيخ الثقة في مشاريع تلك الشركة. بالطبع هذا يعد كلامًا نظريًا، لأن في النهاية هناك دائمًا من سيكذب حول مشاريعه وجاهزيتها، ولن نتوقف أبدًا عن سماع الأكاذيب في صناعة بهذه الضخامة.

يمكننا أيضًا القول أنه بعد فترة الكساد التي عانت منها صناعة الألعاب، هناك تعطش من الناشرين والمستثمرين معًا لتعويض تلك الفترة، وتوجيه الميزانيات الكبيرة إلى عمليات التطوير خصوصًا مع تكاليف التطوير والتسويق التي أصبحت باهظة – حسب منظمة CMA – فمثلًا تطوير لعبة بحجم The Callisto Protocol قد يكلف أكثر من 160 مليون دولار، وهو مبلغ تحتاج الكثير من الشركات إلى التضحية ببعض الأشياء لتوفيره، وأهم تلك الأشياء التي يستطيع الناشر الاستغناء عنها، هي الدعاية الموجهة لتأجير مكان داخل معرض E3 وتوجيه المصروفات نحو التواجد بالمعرض واستعراض ألعاب الشركة.

دعوة للتفاؤل…لا داعي لأن نكره التغيير.

يميل العقل الجمعي لرفض التغيير، أو على الأقل الخوف منه، ولكن الأشياء تتغير، والتغير هو أحد سنن الحياة التي علينا جميعًا أن نقبلها وحتى إن كان E3 أحد الأحداث القريبة إلى قلوبنا، في المضي قدمًا بما هو أكثر تناسبًا مع الظروف الحالية هو أمر صحي عند الحديث عن مستقبل E3 .

شخصيًا أتمنى عودة E3 بشكله الكلاسيكي ولكنني أيضًا منفتح لرؤية البدائل، سواءً كانت تلك البدائل هي Summer Game Fest والأحداث الرقمية الأخرى، أو إعلانات متفرقة على مدار العام.

بالنسبة لي كلاعب عربي، السفر وحضور E3 كان بمثابة حلم أكبر من شيء قابل للتحقيق، ولذلك لا أشعر بالمرارة التي يشعر بها بعض الإعلاميين الغربيين وخصوصًا هؤلاء الذين يعيشون في أمريكا بسبب ضبابية المستقبل الخاص بالمؤتمر، ولكن بشكل عام فإن صناعة الألعاب الآن أصبحت أكبر من أن يستوعبها مؤتمر واحد مهما كان حجمه، ومع مرور الوقت أتوقع أن تنمو الصناعة وتصبح الإصدارات الضخمة للألعاب موزعة على مدار السنة، بحيث يصبح كل شهر يمتلك من العناوين ما يجعله مهمًا، وبذلك سيصعب كثيرًا أن تجتمع الكثير من الإعلانات والتحضيرات في فترة الصيف كما كان الوضع سابقًا.

وأعتقد أن صيف هذا العام هو خير دليل، حيث تتواجد الكثير من الإصدارات الضخمة مثل Final Fantasy XVI و Atlas fallen و Diablo 4 و Street Fighter 6 على سبيل المثال لا الحصر، ما يعني أن الصناعة ستعمل قريبًا جدًا على قدم وساق طوال شهور السنة دون إمكانية الحصول على وقت راحة “Down Time” يستطيع معظم المطورين الإعلان عن جديدهم فيه، بل سنحصل على مؤتمرات فردية تستطيع كل شركة الإعلان عن جديدها من خلالها، في الوقت الذي يجدونه هم مناسبًا.

 عِش معنا متعة اللعب على أصولها.. لمزيد من المقالات الرائعة تابعو قناتنا على واتساب.

وسوم

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest

0 Comments
Inline Feedbacks
View all comments
0
Would love your thoughts, please comment.x
()
x