تعتبر الأفكار المُبتكرة سلعة نادرة في أي مجال، وبالأخص في عالم ألعاب الفيديو حيث نشهد سنويًا إطلاق مئات الألعاب التي يفشل الكثير منها في ترك بصمة واضحة تستدعي توجيه الإشادة للاستديو المُطوّر، ولكن على النقيض تُفاجئنا بعض الألعاب بمستوى غير مُتوقع من الإبداع والابتكار وأصالة الأفكار وتتركنا مُندهشين من روعة التجربة، في مراجعة Viewfinder لاحظنا أنها إحداها بالتأكيد، حيث نجحت لعبة الألغاز من منظور الشخص الأول في إبهارنا بسبب أفكارها المُسلية والفريدة لحل الألغاز وبراعة الفكرة القائمة عليها اللعبة رغم بساطتها في جوهرها، وعلى الرغم من أن اللعبة تُعد باكورة أعمال فريق التطوير الاسكتلندي Sad Owl Studios، ألا أنها مُبهرة في الكثير من الجوانب، ومُعقدّة بشكل غريب وساحر في نفس الوقت وهو ما يجعلها أحد أفضل الألعاب المستقلة لهذا العام بكل جدارة!
Viewfinder هي لعبة ألغاز من منظور الشخص الأول حيث المنظور يعني كل شيء. ستأخذك اللعبة في رحلة ساحرة تشرع فيها بمشاعر مختلطة في البداية ولكن مع نظرة ذهول ترسم محياك في النهاية.
كل شيء من طريقة اللعب إلى القصة يهدف إلى تنشيط عقلك للدرجة القصوى، سواء من خلال اكتشاف كيفية تخطي العقبات أو حل الألغاز.
أفكار بسيطة وأسلوب لعب سهل ولكن بصبغة إبداعية فريدة
يتميز أسلوب اللعب في Viewfinder بالبساطة المُتناهية. هناك 5 عوالم محورية ستزورها، ولكل عالم موضوع مختلف وسلسلة من خرائط الألغاز لتكملها، بالإضافة إلى بعض الألغاز الاختيارية لمساعدتك على صقل مهاراتك في التفكير وسرعة البديهة.
من السهل فهم آليات اللعب ومعرفة فحواها منذ اللحظة الأولى، ويعد فهم كيفية التعامل مع الصور التي تلقيها اللعبة عليك طوال طريقك وكذلك العثور على المنظور المناسب لوضع تلك الصور في نصابها الصحيح من أكبر العقبات التي يجب التغلب عليها طوال اللعبة. بعض الألغاز عبارة عن دُوّار حقيق للرأس سيُصيبك بالحيرة تمامًا حتى تحصل أخيرًا على لحظة المصباح هذه التي تُنير عقلك حيث تتضح الصورة كاملةً فجأة في مشهد يُلخص قيمة إعمال العقل الذي وهبه الله لنا وميزّنا به عن سائر الكائنات.
ستجد صورًا مبعثرة في كل منطقة تزورها، بعضها مخصص لمغامرة جانبية ممتعة أو للتعمق في تفاصيل العالم المُذهل المُحيط بك. بمجرد العثور على صورة أو التقاطها باستخدام الكاميرات الموجودة داخل اللعبة، يمكنك مُعالجتها ثم وضعها في العالم للمساعدة في حل الألغاز واكتشاف الممرات السرية، والطرق التي يمكنك من خلالها اجتياز العوائق التي تواجهها طوال الطريق.
ومع ذلك، يجب أن تكون حذرًا في المكان الذي تضع فيه هذه الصور، فبمجرد وضعها، فإنها تحذف كل ما كان موجودًا سابقًا، مما قد يؤدي إلى إفساد اللغز بأكمله. لحسن الحظ، إذا ارتكبت هذا الخطأ، فستتمكن من إرجاع الوقت لإصلاح الخطأ، حيث تحصل على مرات ترجيع غير محدودة، لذا ارتكب العديد من الأخطاء التي تحتاجها كيفما شئت للعثور على الحل في النهاية. على الرغم من أن الألغاز متشابهة مع بعضها البعض، إلا أنها متنوعة أيضًا بما يكفي بحيث لا تشعر أبدًا أنك تكرر نفس الخطوات مِرارًا وتِكرارًا. لا يزال كل لغز يمثل تحديًا فريدًا.
في وقت لاحق من اللعبة، ستذهب إلى بعض الأماكن حيث تتفاعل الصور مع العالم بشكل مختلف، وهنا تزداد الصعوبة قليلاً، ولكن، أعدك، هناك دائمًا حل. ربما تحتاج فقط إلى التقاط صورة سيلفي لمساعدتك على تغيير الطريقة التي ترى بها العالم. قد تحتاج منك بعض المناطق لإعادة تنظيم تفكيرك أو رؤية العالم من خلال منظور مختلف لاكتشاف أسراره. تترك اللعبة تلميحات صغيرة في كل مكان لمساعدتك في معرفة ما عليك القيام به، على الرغم من أن بعضها يكون واضحًا بالفعل، ولكنها فقط ليست في مُتناول إدراكك.
بيئات غنية ساحرة تأسرك بروعتها
قد نكون رأينا قصة لعبة Viewfinder في عديد الألعاب من قبل، محاولات البشرية لإنقاذ عالم يحتضر، لكن المطورين وضعوا لمستهم الإبداعية على الحبكة وهي خالية بشكل أساسي من أي شخصيات مثيرة للاهتمام باستثناء القط المتكلم الذي يُرافقك في معظم المستويات، لتتسم بمفهوم مختلف عن الألعاب الشبيهة.
في Viewfinder، تحاول العثور على الأسرار الكامنة خلف البحث العلمي الذي فشل في المساعدة في إعادة البيئة لحالتها الطبيعية من خلال إجراء محاكاة تم استخدامها كأساس لاختبار التقنيات الجديدة التي من شأنها أن تساعد في تحقيق التوازن في النظام البيئي مرة أخرى.
خلال مغامرتك المُحيرّة، تجد ملاحظات بحثية وتسجيلات محادثات وغير ذلك الكثير التي تحكي قصة العلماء الذين شرعوا في رحلة الحفاظ على الحياة هذه، لكنهم لسببٍ ما لم يُوفقوا في ذلك، وهنا يأتي الدور عليك في محاولة العثور على الإجابات التي لم يتمكنوا من العثور عليها.
الشيء الذي برز بالنسبة لي بشكل كبير هي التجربة الصوتية. عندما تخطو إلى صورة، تتغير الأشياء من حولك. قد تكون هذه الصورة عبارة عن رسم مرسوم باليد أو مخطط هندسي أو لعبة تتريس.
كل صورة تدخلها لها طابعها الخاص وتأثيراتها الصوتية التي تُناسب الإعداد الجديد. الموسيقى في كل منطقة هادئة، مثل الموسيقى في ألعاب مثل Minecraft، ويساعد ذلك إلى جانب المؤثرات الصوتية في كل مكان على الانغماس في كل منطقة تزورها.
أداء رسومي يُترجم إلى تجربة بصرية ثرية
من الجدير بالذكر في مراجعة Viewfinder أنه أيضا جيدة جدًا من حيث الأداء، لم أواجه أي عُطب أو تقطيع أو مشاكل من هذا القبيل مثل التي تُصيب العديد من الألعاب هذه الأيام. تتميز الحركة والميكانيكا بالسلاسة وهو ما يُترجم في النهاية إلى تجربة لعب ممتعة.
من الناحية الرسومية، تبدو اللعبة مذهلة، بغض النظر عن نسخة العالم التي تشاهدها أثناء اللعب، سواء كانت مرسومة باليد، أو لوحة فنية قديمة أو صورة بالأبيض والأسود، أو من منظور رؤية ليلية، أو أي منظر آخر تجد نفسك فيه.
بشكل عام، تعد Viewfinder رحلة جميلة وصادقة تتحدى اللاعب بطرق مختلفة. إنها تعمل بشكل جيد كتدريب ذهني رائع بالإضافة إلى كونها مجرد لعبة ممتعة للغاية.
يُوصى بها بشدة لأي شخص يريد الاستمتاع بمغامرة ألغاز جيدة، ولكن أيضًا للجميع. إنها ليست طويلة بشكل خاص، حيث نجحت في الانتهاء من جميع مراحل اللعبة بعد 7 ساعات فقط.
إعادة اللعبة لن تُغيّر أيًا من النتائج، يمكنك دائمًا تحدي نفسك لحل وإكمال كل لغز في وقت قياسي. يمكنك أيضًا إعادة زيارة كل منطقة بعد الانتهاء من اللعبة إذا كنت ترغب في إعادة حل أي ألغاز اختيارية مررت بها على طول الطريق.
قد يصاب بعضنا أيضًا بخيبة أمل بسبب قصر طول اللعبة نسبيًا، رغم احتوائها على خمسة عوالم محورية بمجموعتها الخاصة من المستويات الإلزامية والتحديات الاختيارية، حيث يبدو كما لو أن هناك الكثير من الإمكانات غير المستغلة والفرص المُهدرة لصنع لعبة ألغاز مثالية بمعنى الكلمة.
سيكون من الرائع إعادة النظر في هذه الفكرة في جزء ثانٍ ربما، ولكن هذا لا ينفي تفوق Viewfinder في القيام بعمل رائع فيما يخص طرح فكرة رائعة ومُبتكرة مُغلفّة بروح إبداعية نادرًا ما نراها في عالم الألعاب حاليًا. بالطبع كان يُمكن أن تكون أكثر جاذبية لو امتلكت قصة أكثر سهولة لاستيعابها، ولكنها بالتأكيد واحدة من أفضل الألعاب المستقلة لعام 2023 ومشروع مميز للغاية من استديو Sad Owl الذي يبدو أنه سيكون له شأن في عالم الألعاب مستقبلًا لو استمر في الاعتماد على الإبداع والابتكار في الأفكار.