فيلم سلاحف النينجا الجديد هو أفضل ظهور للأبطال المحبوبين منذ زمن طويل

فيلم من الزمن الجميل للرسوم المتحركة

فيلم سلاحف النينجا

في الوقت الذي تُمني فيه نفس اللاعبين بإصدار المزيد من الألعاب حول شخصيات سلاحف النينجا، يظهر فيلم سلاحف النينجا TMNT: Mutants Mayhem من العدم ليخطف الأنظار، كونه أول عمل فني يضم السلاحف منذ وقت طويل، فمن بعد فيلم ولعبة TMNT out of shadows توارت الشخصيات الأربعة المحبوبة عن الأنظار، وربما ندين للفضل في عودتها إلى فيلمي Spiderverse لأن فيلمنا لليوم -Mutants Mayhem- يتبع نفس طريقة الرسوم المُتحركة الثورية التي جلبها وسلط الضوء عليها فيلم Into The Spiderverse في 2018. فهل يستحق Mutants Mayhem وقتك؟

قصة الفيلم بدون حرق

تدور قصة الفيلم حول السلاحف ووالدهم، المعلم سبلنتر في وقت مراهقتهم حيث يسكنون المجاري، ويسعون جاهدين لكسر القواعد الصارمة التي وضعها لهم “سبلنتر” والتي تقضي لهم بالانعزال عن العالم الخارجي والبشر، ولكن رغبتهم في أن يعيشوا “حياة إنسانية طبيعية” تجعلهم يبحثون عن قبول البشر لهم، وبالطبع يواجهون الكثير من المشاكل في هذا الصدد لأنهم سلاحف متحورة، اكتسبت وعيًا يفوق ما يفترض عليهم امتلاكه.

تأخذنا القصة في رحلة مدتها ساعة ونص تقريبًا، مليئة بالمشاعر الإنسانية والأحداث المتلاحقة، ونجحت في تقديم نسخة لم نرها من قبل لشخصيات سلاحف النينجا، شخصيات المراهقون في بدايتهم وهم يشكلون شخصياتهم. ففي بداية الأحداث مثلًا ستشعر بأن “ليوناردو” ليس بالشخصية القيادية التي عهدانا، و”دوناتلو” لا يزال يتحسس خطواته كواحد من أذكى الشخصيات القادرة على اختراع الأجهزة والتعامل مع التكنولوجيا بسلاسة، و”رافايل” لا يزال ذاك المراهق الغاضب الذي يريد صفع الأشياء، وأوصاعها ضربًا ولكنه لم يتمكن بعد من توظيف ذلك الغضب في تحسين مهاراته القتالية. كما أنهم جميعًا لا يتقنون استخدام أسلحتهم الأيقونية بعد.

إذًا مقابلة السلاحف في هذه المرحلة العمرية قد يبدو لك أمرًا غير جذاب، ولكنه يعد هو جوهر الفيلم الذي يبدو وأن تم بناء التجربة كلها عليه، وهنا يظهر عنصر آخر من التشابهات العديدة بين فيلمي Spiderverse وMutants Mayhem حيث حاول كلا المشروعان أن يهتما بجانب إضفاء المشاعر الإنسانية على الأبطال، والاهتمام بتسليط الضوء على الجوانب النفسية لتجربة أن تصبح بطلًا، و بتعبير آخر “أنسنة” الأبطال، أي جعلهم أكثر إنسانية والتركيز خصيصًا في هذا الصدد على علاقاتهم بمن حولهم.

يركز الفيلم بشكل كبير على رغبة السلاحف في الحصول على قبول واحتضان المجتمع، وهو ما يدفعهم في المقام الأول لأن يكونوا أبطالًا، تمامًا كما سعى Miles Morales في Spiderverse إلى الحصول على “أصدقاء” وهو ما دفعه لخوض مغامرة الفيلم الملحمية. لا تحتاج لأن تكون بطلًا خارقًا لكي تشعر بما يشعر به هؤلاء الأبطال، وللتضامن معهم قلبًا وقالبًا. أما عن السلاحف، فالفيلم أظهر لنا شعورًا يعرفه الأقليات في أي مجتمع حق المعرفة، فهو في واقع الأمر ليس فيلمًا عن السلاحف فقط، وإنما حول أي إنسان/مخلوق يسعى للاندماج في مجتمعه، والشعور بأنه جزءًا لا يتجزأ من نسيجه. لهذا السبب أعتقد أن الفيلم نجح نجاحًا عظيمًا في جانب القصة والأحداث، وبناء الشخصيات.

ليس فقط فيلمًا لتُمضي معه بعض الوقت الممتع، بل رسالة حياتية هامة للوالدين

ستخرج حتمًا مستمتعًا بالفيلم وتجربته التي تمنيت شخصيًا لو دامت لأكثر من ساعة ونصف فقط، ولكن هناك أيضًا درسًا أبويًا ورسالة هامة من صناع الفيلم يجب على كل أب وأم أن يفهماها بشكل كامل، ولعلها تفيدهم في التعامل مع أولادهم في حالة كانوا في سن المراهقة. يوجه الفيلم كل الآباء والأمهات باحتضان أولادهم والاستماع إلى رغباتهم، ومحاولة تصديق ما يشعرون به وإعطاؤه حجمًا يليق بيه، وعدم جدوى فرض القوانين التي لا يقتنع بها الأولاد. هكذا هو حال الجيل Z، يحتاجون لمن يستمع إليهم ويتفهمهم.

كما يوجه الفيلم رسالة للمجتمع أيضًا، مفادها أن تقبل الاختلاف هو شيء ضروري وحاجة مُلحة يحتاجها البشر الآن أكثر من أي وقت مضى، فمع زيادة تعقيد المجتمعات الإنسانية، تزيد حاجة تلك المجتمعات في إذابة الفوارق، وتقبل الآخر لكي يعيش الكل في سلام، ولا يشعر أحد بالاضطهاد أو الدونية، وهو ما قد يدفع البعض إلى أفعالًا عنيفة أو عدوانية تجاه من رفضوه. لا أريد أن أطيل عليك عزيزي القارئ في شرح قصة الفيلم وهدفها، ولكن إذا أردت ذلك قد يستغرق الأمر أكثر من مقالة لفعل ذلك وحده!

التجربة البصرية: لوحة فنية ملونة بكل ألوان النجاح والتمييز، حتى وإن استوحت بعض العناصر من تجارب أخرى

تعتبر تجربة فيلم Tmnt: Mutants Mayhem البصرية تجربة راقصة بالتفاصيل، مُفعمة بالحيوية ومليئة بالجمال والتنوع اللوني، حيث يمتلك كل كادر في الفيلم ألوانًا مختلفة، ومتناسقة تصور كل بيئة تأخذنا إليها الفيلم بقدر كبير من التفاصيل والواقعية. لطالما أحببت نسخة مدينة نيويورك التي تقدمها ألعاب، وأفلام سلاحف النينجا، ولعل نسخة هذا الفيلم تحتل المركز الأول بين كل أفلام السلاحف.

حتى لحظات الأكشن لم تخلوا من الإبداع، وتصوير الأكشن يعتبر من أصعب المهمات في نظام رسوم متحركة مثل هذا، ومع ذلك حصلت كمشاهد على تجربة بصرية مثالية لا تشوبها شائبة من حيث حجم اللقطات الأكشنية، ونقل الفيلم لشعوري بها.زاد من متعة الفيلم بالطبع قدرة الرسامين في استوديوهات كولومبيا على نقل مشاعر الشخصيات من خلال نظارتهم وإعطاء كل شخصية تفصيلة تصميمية مميزة على الصعيد البصري. فمثلًا تقويم الأسنان الذي يضعه مايكل أنجلو يوحي لك أنه الأصغر بين أخوته، والنظارات العملاقة التي يرتديها دوناتلو تعبر عن أنه الأذكى بينهم، على الرغم من تنافي الأمر منطقيًا مع الحبكة بحكم عدم خروجهم من بيتهم أبدًا، فكيف إذًا زاروا طبيب الأسنان والعيون؟ هي تفاصيل بصرية تخدم الحبكة والروح العامة للفيلم، وفي ذلك نجح المصممون نجاحًا باهرًا.

الأداء التمثيلي: كيف تبني شخصية وتحرك مشاعر المشاهدين من خلال رسوم متحركة؟

صاحبت التجربة البصرية الخرافية أداءات تمثيلية عظيمة من كل الممثلين، ولمن لا يعرف فهذا الفيلم مليء بالممثلين الرائعين بدايةً من “جون سينا” و Giancarlo Esposito و Ice Cube و Paul Rudd و Post Malone و Hannibal Buress، وهذا ليس كامل طاقم التمثيل الصوتي! وقد كان القرار الأكثر جرأة، ومساهمةً في نجاح الفيلم هو اختيار مجموعة من المراهقين الحقيقين للعب أصوات شخصيات السلاحف الأربعة، وهو ما جعل الفيلم أكثر تصديقًا وواقعيةً.

فيلم سلاحف النينجا

ساعد أسلوب الرسوم المتحركة المميز في نقل مشاعر السلاحف وكل الشخصيات من خلال نظارتهم فقط، وقد تكون تجربة هذا الفيلم بالتحديد واحدة من أكثر التجارب التي ستحرك مشاعرك في السنوات الأخيرة، حيث يمر الفيلم بمراحل عديدة مؤثرة خصوصًا خلال تفاعلات المعلم سبلنتر مع السلاحف. فهنا شخصية سبلنتر ليست شخصية الفأر العجوز الحكيم، بل شخصية مغايرة بعض شيء حيث تعمد الفيلم إظهاره في هيئة الأب الذي يخاف على أولاده بصورة زائدة، ولا يمتلك الكثير من الخبرات لينقلها لهم، وهو ما يضعه في صراع دائم إما لمحاولة طمس طموحهم للتعايش مع المجتمع الخارجي، أو محاولة تقبله واحتضانه، وتغذيته. هذا الصراع كان جليًا بالنسبة لي، كشخص يحب أن يتذوق الأفلام لا أن يشاهدها فقط، إيصال شعور بهذا التعقيد للمشاهد من خلال فيلمًا للرسوم المتحركة لم يكن ممكنًا سوى من خلال أداءات تمثيلية عبقرية، ورسوم متحركة ثورية كالتي نراها هنا.

فيلم سلاحف النينجا

استخدام الموسيقى: على خطى Spiderverse تخطو السلاحف باختيارات موفقة للأغاني المُرخصة

استخدم صناع فيلم Tmnt: Mutants Mayhem الأغاني الُمرخصة بشكل مثالي وضعني كمشاهد في الأجواء بشكل أكثر من رائع، مع مجموعة واسعة من الموسيقى المختلفة لتناسب كل لحظة في الفيلم، كما أن بعض تلك اللحظات استخدمت لإخراج مزحات مضحكة حقًا، جعلتني أضحك كثيرًا من قلبي دون أي شعور بثقل المزحات أو أنها جاءت في غير وقتها.

أعجبني أيضًا توظيف أحد أغاني Bruno Mars المُحببة إلى قلبي “Wake Up in the sky” كأغنية الدخول الأول لشخصية Superfly وهو شرير الفيلم الرئيسي. والتي كانت واحدة من أفضل لحظات الفيلم، ولكن غير هذه الأغنية هناك 17 أغنية مُرخصة ساهمت في تنوع الأجواء وإرساء كل الأجواء المختلفة التي يحملها الفيلم في طياته. ربما يعيب الفيلم عدم وجود أي أغنية أصلية على غرار أفلام Spiderverse ولكن وجود مجموعة من الأغاني الأيقونية الأخرى ساهم في تقليل الشعور بهذا العيب.

في النهاية، قد يكون غياب سلاحف النينجا عن عالم الألعاب غيابًا غير مبررًا، إلا أن عودتهم من خلال هذا الفيلم تعتبر عودة كافية ووافية لبعض الوقت، وستشبع لديك الرغبة في رؤيتهم حتى تصدر لعبة The Last Ronin التي لا نعرف متى تصدر، وليكون ذلك الفيلم الرائع إثباتًا بأن هذه الشخصيات تستحق اهتمامًا كبيرًا من صناع الترفيه سواء في مجال السينما، أو الألعاب.

 عِش معنا متعة اللعب على أصولها.. لمزيد من المقالات الرائعة تابعو قناتنا على واتساب.

وسوم

3 2 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest

0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
0
Would love your thoughts, please comment.x
()
x