عام 2020 أعلن مطور حديث الولادة عن لعبته الأولى على الإطلاق، لكنه لم يكن إعلانًا عاديًا، فالكشف الأول عن لعبة المطور الصيني Game Science لم يكن مقطعًا قصيرًا من اللقطات الفاخرة رسوميًا المُعدة ببرامج الكمبيوتر كما هو المعتاد من المطورين، بل كان مقطعًا مدته 13 دقيقة، 13 دقيقة كاملة من أسلوب اللعب الفعلي داخل اللعبة دون تعديلات، يستعرض آليات لعب ومواجهات سريعة الوتيرة، من بطولة قرد يحمل عصا ويلقي تعاويذ رائعة، ويُظهر رسوميات قوية بالنسبة لمرحلة مبكرة من التطوير، مبشرًا بلعبة أكشن واعدة، تُدعى Black Myth Wukong والتي سوف نتعرف عليها بالكامل وما يجعلها مميزة في مراجعة black myth wukong الكاملة.
أُعجب الكثيرون بما رأوه، لكن الأغلب -وأنا منهم- أصابه الشك في مستقبل هذا المشروع وما إذا كان سيرى النور أبدًا أم لا، بالنظر إلى أن المطور صيني، ولم نرَ لعبةً بهذا الطموح من مطور صيني من قبل. ببساطة، رأى البعض أن هذا العرض رائعًا للغاية لدرجة أصابتهم بالشك فيما إذا كانت اللعبة موجودة وحقيقية فعلًا، أم أنها مجرد دعاية مزيفة للاستوديو. لحسن الحظ، الاستوديو الصيني حقق المعجزة وحصلنا على مرشح قوي للعبة العام في 2024، ولم أكن أكثر سعادة بكوني مخطئًا من قبل. إليكم المراجعة.
____
اقرأ أيضًا: تختيم Black Myth Wukong الكامل من الألف إلى الياء!
____
قصة مثيولوجية ذات مشاهد ملحمية ولحظات لا تُنسى
تأخذنا القصة في رحلة عبر المثيولوجيا الصينية، بشخصيات وأحداث وأماكن مستوحاة من رواية Journey to The West الشهيرة، الرواية ذاتها المقتبس منها أنمي Dragon Ball. تروي القصة حكاية قرد مُختار ينطلق في رحلة لإنجاز مهمة تبدو مستحيلة، حيث يعزم على إعادة إحياء القرد الأسطوري Sun Wukong، وفي خلال تلك الرحلة يعرف أكثر عن ذلك الأسطورة الذي لا يسمع عنه سوى في الحكايات، ويصادف أشخاصًا ويعاصر أحداثًا، جميعها ترسم الخلفية الدرامية للعالم بحرفية شديدة بينما يكتشف القرد المختار أن هذه الرحلة -في الواقع- حوله هو.
تبدأ القصة بافتتاحية ملحمية تستعرض مواطن قوة اللعبة في جميع الجوانب تقريبًا، بالإضافة إلى تقديم Wukong شخصيًا بأفضل طريقة ممكنة، فاللعبة لا تكتفي بإخبارنا عن ذلك الأسطورة الذي يتحدث عنه الجميع، بل تُظهر لنا ذلك على أرض الواقع -أو في سمائه، إن صح التعبير- وتعطينا ما نتطلع له على مدار عمر اللعبة، من ناحية أسلوب اللعب والقصة على حد سواء.
خلال أحداث القصة تقدم Black Myth Wukong شخصيات جانبية عديدة، لكل منها حكايتها وأسلوبها ودورها الفريد في سير الأحداث. بفضل ذلك الكم من الشخصيات الجانبية المكتوبة ببراعة نحصل على قصة بتسارع أحداث ممتاز، فبين كل فصل والآخر عقبات وتحديات وأيضًا مساعدات، خلف كل منها شخصية جانبية لها دوافعها ومبرراتها، وكل ذلك يتم تناوله من خلال مشاهد سينمائية وتتابعات خاصة في أسلوب اللعب، والمميز أن كل ذلك يحدث في تناغم رائع يخدم الهدف الرئيسي من القصة ويساهم في بناء عالم نابض بالحياة.
أدوات سرد Black Myth Wukong لا تتوقف هنا، بل لسبب ما رأى المطور أن عليه إنتاج حلقات كرتونية عظيمة بقيمة إنتاجية عالية بعد كل فصل، تركز أكثر على ما بين السطور، وتسلط الضوء على حكاية أو أكثر من حكايات ذلك الفصل. إن شاهدتَ تلك الحلقات دون معرفة مسبقة باللعبة لأجزمت أنها من أنمي رائج جديد يحطم الأرقام القياسية ويأسر قلوب المشاهدين والنقاد. صدقًا، تلك الحلقات هي بمثابة حبة الكرز على قمة الكعكة بعد كل فصل من عمر القصة، وإذا أمعنت التركيز في الأحداث وانغمست فيها لأُعجبت أكثر بتلك الحلقات لما تقدمه من قيمة للقصة، ومتعة في المشاهدة.
أما عن نهاية القصة فهي لا تقل ملحميةً أو حماسًا عن افتتاحيتها، فلا أبالغ حين أقول أنها من أروع نهايات الألعاب وأكثرها كمالًا في السنوات الأخيرة، خاصةً النهاية السرية. معركة الزعيم الأخيرة عظيمة هي الأخرى، وتضع اللمسات الأخيرة على لوحة فنية من السرد والمشاهد السينمائية التي امتدت لعشرات الساعات، حيث تمتد قصة Black Myth Wukong إلى نحو 35 ساعة على مدار ستة فصول متتالية.
إننا نشهد ميلاد سلسلة ألعاب أخرى تصور المثيولوجيا بأفضل طريقة ممكنة على غرار God of War وبقيمة إنتاجية لا تقل عنها من حيث الأداء الصوتي والتمثيلي، والاقتباس المخلص للمصدر دون الحياد عنه.
أسلوب لعب إدماني ذو آليات عميقة، مع تنوع استثنائي في الأعداء والزعماء
يعتمد أسلوب اللعب على الحركة سريعة الوتيرة مع الهجوم، وأيضًا التفادي مع وجود آلية للتفادي المثالي إذا تفاديت الضربة في اللحظة المناسبة. ما يأخذنا إلى الآلية الأخرى الهامة: نقاط التركيز والضربات المشحونة، فالتفادي المثالي يكافؤك بمقدار من نقاط التركيز التي إذا تم شحنها بالقدر الكافي يمكنك تنفيذ ضربة مشحونة خاصة وفقًا لوضعية العصا الخاصة بك.
ثمة ثلاث وضعيات أساسية للعصا (مع وجود وضعية رابعة خاصة تحصل عليها بعد تختيم اللعبة ثلاث مرات بالنهاية السرية) : Smash – Pillar – Thrust، حيث الـ Smash تقوم بإحداث أكبر ضرر وتخدم طريقة اللعب الهجومية أكثر، والـ Pillar تسمح لك بالابتعاد عن الأرض وتفادي بعض الضربات ثم تنفيذ ضربة قوية، والـ Thrust تهم أكثر من يحب اللعب من مسافة آمنة وتوجيه الضربات دون الاقتراب كثيرًا من الأعداء. كل وضعية يمكن تطويرها وفتح حركات مختلفة لها من خلال شجرة المهارات الضخمة، حيث أنه يمكن تنفيذ حركات خاصة “Combo” لكل وضعية، منها ما يعتمد على ضبط توقيت الهجمات جيدًا ومنها ما يعتمد على مقدار نقاط التركيز المشحونة لديك، وكل ذلك يتم الحصول عليه وترقيته من شجرة المهارات بالطبع.
بجانب العصا وحركاتها، هناك أيضًا 8 تعاويذ أساسية تؤدي كل منها وظيفة مختلفة. مثلًا، الـ Immobilize تشل حركة العدو لفترة من الوقت، والـ Cloud Step تحولك إلى شبح من نوع ما لا يراه الأعداء وتترك خلفك نسخة مزيفة منك، أما الـ Spell Binder فهي تلغي استخدام جميع التعاويذ في مقابل زيادة القوة الهجومية بشكل هائل، والمزيد من التعاويذ الممتعة. ذلك ولم نذكر التحولات، والتي هي جزء من التعاويذ، فهناك 10 تحولات في Black Myth Wukong تجعلك تأخذ هيئة أحد الزعماء التي حاربتها، بمجموعة حركات خاصة وقدرات مختلفة.
التنوع فيما توفره اللعبة من أدوات وحيل في أسلوب اللعب تنوع رائع، ففي لحظة أنت توجه الضربات وتتفادى الهجمات ثم تشل العدو ثم تنفذ ضربة مشحونة، وبعدها مباشرة تستخدم الـ Cloud Step لتوجه ضربة قوية أخرى ثم يمكنك استخدام أحد التحولات للحصول على مجموعة حركات مختلفة تمامًا، وهكذا من أمزجة الحركات وآليات اللعب المختلفة التي يمكن توظيفها بكل سلاسة وانسيابية. ما يعزز هذه النقطة هي شجرة المهارات الضخمة التي يمكنك الشعور بكل تطوير فيها حقًا، سواء بالحصول على آليات لعب جديدة أو تعزيز إحدى التعاويذ مثلًا.
ذلك التنوع الرهيب مع إيقاع اللعب السريع المتجاوب يجعلان Black Myth Wukong لعبة أكشن رفيعة المستوى، لكن لا ننسى أيضًا عناصر السولز التي تتمتع بها اللعبة، وهناك زعماء لا تقل صعوبةً أو تعقيدًا عن أعتى زعماء السولز بشكل عام، ناهيك عن كثرة عدد الزعماء في المقام الأول. خلال اللعب هناك نقاط حفظ يمكن عندها استعادة الصحة والموارد مقابل عودة الأعداء مرة أخرى، لكن إذا مت لا تخسر ما لديك من نقاط، فيمكن اعتبارها لعبة تمزج بين الأكشن وعناصر السولز بشكل لا نراه كثيرًا في الألعاب.
يجب الإشارة إلى عنصر آخر من أسلوب اللعب، ألا وهو تنوع الأعداء والزعماء. لا أعتقد أن هناك لعبة خطية أخرى بنفس حجم وطموح Black Myth Wukong امتلكت هذا التنوع الهائل والجنوني في الأعداء والزعماء، فهناك 90 نوعًا من الأعداء. نعم، كتبنا الرقم صحيحًا وهكذا قرأته، ليس هناك 90 عدوًا، بل تسعون نوعًا من الأعداء، لكل منهم تصميم بصري وآليات لعب وهجمات مختلفة اختلافًا تامًا عن غيره. الأمر يصبح جنونيًا أكثر فيما يخص الزعماء، فبين الزعماء الرئيسية، والجانبية، والسرية قد قابلت 81 زعيمًا بعدما أنهيت اللعبة بالنهايتين، وأتممت جميع المناطق السرية. ما قد يجعلك تفقد صوابك حين التفكير في هذا العدد هو أن كل زعيم فريد في تصميمه ويتميز عن غيره، ولم أجد زعيمًا واحدًا مكررًا، بل كل مرة كانت تفاجئني اللعبة بزعيم مختلف من حيث الحركات والتصميم.
تصميم مراحل خطي طموح، تنقصه الهوية
تعتمد بلاك ميث ووكونج على التصميم الخطي للمراحل مع وجود تفرعات ومناطق جانبية متعددة، لكن التوجه الأساسي هو الخطية في التصميم، والأماكن المتتالية. اللعبة تتخلى عن فكرة وجود خريطة، لا كاملة مثل Elden Ring ولا مصغرة مثل Remnant، وتعتمد في استكشافها اعتمادًا كليًا على تصميم المراحل والبيئات في إرشاد اللاعب وحثه على الاستكشاف.
الفكرة لا مشكلة فيها ونجحت بشكل رائع في ألعاب أخرى مشابهة، مثل Sekiro التي إذا أنهيتها بتمعن مرة واحدة على الأقل ستجد نفسك حافظًا لأغلب المناطق والطرق، دون الحاجة إلى خريطة. لكن للأسف، لا ينطبق الأمر ذاته على Black Myth، فتصميم المراحل واختيار عناصر البيئة في مناطق محددة يفتقر للهوية أو التوجه الواضح الموحد والمميز في تصميم كل منطقة من مناطق اللعبة. بالرغم من أن كل فصل يبدو مختلفًا من حيث البيئات والتوجه البصري العام، بعض المناطق في الفصل الواحد تبدو مطابقة بصريًا وتصميميًا لمناطق أخرى في الفصل نفسه، الأمر الذي يخلق تشوشًا وحيرة أثناء الاستكشاف، خاصةً مع تعقيد وتداخل الطرق المختلفة مع بعضها.
ما يزيد الطين بلة هو الكم الهائل من الجدران المخفية وحدود الخريطة التي تبدو كسائر المناطق القابلة للاستكشاف، إلا أنها ليست كذلك. كثيرًا ما قطعت مسافة نحو منطقة ما تبدو قابلة للاستكشاف ليتضح أن ما يحول بيني وبينها هو جدار مخفي يمثل حدود الخريطة، لكن لا يوجد تنبيه بصري يشير إلى ذلك.
لا أقول أنه تحتم على اللعبة توفير نوع من الإرشاد أثناء الاستكشاف، لكن تصميم المراحل ليس بالجودة التي تسمح بالاعتماد عليه كليًا في خلق ترابط بين عالم اللعبة والتنقل فيه وبين اللاعب. لنقل أن Black Myth فشلت في ترسيخ طابع خاص بها في الاستكشاف وبناء علاقة بين اللاعب وبين عالمها من ناحية تصميم المراحل، وهو جانب هام في مثل هذه الألعاب. هو أمرٌ يمكن تفهمه كونها اللعبة الأولى من المطور Game Science لكن لا يمكن إغفاله بسبب تأثيره الكبير على تجربة اللعب واستكشاف العالم.
محرك Unreal Engine 5 يلمع بقوة رسومية مذهلة
حين يأتي الأمر للرسوميات والمتعة البصرية، يمكن القول أن Black Myth Wukong واحدة من أفضل الألعاب استغلالًا لقدرات محرك Unreal Engine 5، بتفاصيل خرافية ودقة عالية في البيئات والظلال والإضاءة، وتصميم الوجوه الذي يبدو جميلًا وواقعيًا. تصميم الدروع هو الآخر يجب الإشادة به بشكل خاص، فالدروع تبدو رائعة بصريًا وبها قدر عالٍ من التفاصيل والاهتمام بكل بكسل منها، كما أن لكل منها طابع فريد من حيث الشكل والتصميم، بعيدًا عن انعكاسه على آليات اللعب.
ليست الجودة الرسومية وحدها ما تميز بلاك ميث ووكونج بصريًا، بل أن التوجه الفني الخاص باللعبة يعطيها هوية بصرية فريدة في كل فصل من فصولها، وكثيرًا ما وجدت نفسي أتأمل جمال المنظر في مناطق كثيرة، وكأنني أنظر إلى لوحة فنية بديعة. اللعبة تتمتع بتوجه فني واضح بالرغم من اعتمادها على الرسوميات الواقعية والجودة الرسومية.
موسيقى ملحمية وصوتيات تطرب الآذان
منذ اللحظة الأولى في الافتتاحية وحتى آخر اسم من أسماء المطورين يُعرض على الشاشة بعد النهاية، تتمتع Black Myth Wukong بموسيقى صينية ملحمية ذات تأثير إيجابي هائل على التجربة. الأمر وكأنه الموسيقى هنا تبث الحياة في المثيولوجيا الصينية، خاصةً في المشاهد الهامة وفي حلقات الرسوم المتحركة بين الفصول، لكن أيضًا الموسيقى أثناء المعارك وأثناء التجول، وموسيقى الزعماء، جميعها لا غبار عليها.
المؤثرات الصوتية هي الأخرى عامل هام في روعة التجربة، كما أنها تتفرد عن غيرها من الألعاب، فلم نلعب بعصا في لعبة مثل هذه من قبل، لذلك فإن صوت الضرب بالعصا وأصوات الحركات المختلفة جميعها فريدة وتعطي للعبة هوية خاصة للغاية. علاوةً على ذلك، جودة المؤثرات الصوتية خرافية ببساطة، وأقرب مثال يمكنني مقارنتها به سيكون أصوات السيوف في Sekiro وفي Ghost of Tsushima حيث تكون مستمتعًا بكل ضربة وبكل مراوغة. صوت شحن نقاط التركيز واحدة تلو الأخرى وإتباعها بصيحة القرد، ثم وهلة من انعدام المؤثرات الصوتية الأخرى قبل صوت التحطيم المدمر في نهاية هذه السمفونية المُطربة.
الخلاصة
في نهاية مراجعة black myth wukong ، يمكنني القول بكل ثقة أن Black Myth Wukong واحدة من أفضل ألعاب الأكشن على الإطلاق، وهي من أفضل 5 ألعاب في تفضيلي الشخصي حتى مع مشكلتي مع تصميم المراحل والجدران المخفية. بقصتها المثيرة وأحداثها الملحمية وشخصياتها القوية، وبأسلوب لعبها الإدماني والفريد وتنوعها الاستثنائي في الأعداء والزعماء، وبتصميم بيئاتها الخلاب وتوجهها الفني المميز، تضع بلاك ميث نفسها بين عمالقة ألعاب الأكشن أمثال God of War، وبين صفوة ألعاب السولز ذات المهارة والتعقيد في أسلوب اللعب أمثال Sekiro و Lies of P.