تعتبر سلسلة Fallout من أشهر وأضخم سلاسل ألعاب تقمص الأدوار (RPG) الموجودة في صناعة الألعاب، وهي بالنسبة لي من بين أفضل ما تم تقديمه في هذا المجال، قضيت معها ساعات وساعات طويلة، بكل أجزائها وحقيقة أن يصدر مسلسل تدور أحداثه في نفس العالم، يشرف عليه مخرج الألعاب Todd Howard كانت أمر زاد من حماسي نحو المسلسل بالرغم من أني لا أحب تحويل الألعاب إلى أعمال سينمائية أو تلفزيونية ولكن هذه المرة كانت مختلفة حقًا! إليكم مراجعة مسلسل Fallout
قصة المسلسل بدون حرق
تدور قصة المسلسل حول سكان Vault 33 وتحديدًا “لوسي ماكلين” ووالدها “هانك ماكلين” الذي يتم اختطافه في ظروف غامضة فتقرر ابنته الانطلاق في رحلة البحث عنه في أرض ما بعد نهاية العالم (الـWasteland) التي تشكل بالنسبة لها حياة جديدة وشيء لم ترى مثله من قبل كونها ولدت وعاشت طوال عمرها في المخبأ.
القصة تمتلك شخصيات أخرى أيضًا، تعتبر لوسي هي بطلة العمل بالاشتراك معهم وهم “الملازم ماكسيماس” وهو أحد أعضاء تنظيم “أخوية الصلب -Bortherhood of Steel” و الممثل السابق Cooper Howard الذي تحول إلى شخصية “الغول” نتيجة لتعرضه لكم هائل من الإشعاعات. تجتمع الشخصيات الثلاثة في إطار درامي مُقنع، ليكونوا التحالفات والعداوات حسب أهدافهم الشخصية، وتبدأ قصتهم في الانكشاف تدريجيًا مع الكشف عن الحبكة الأساسية، وحقائق لم نعرفها من قبل حول شركة Vault Tec وأحداث نهاية العالم والحرب النووية.
اختار صناع المسلسل أن تمتد حلقاته إلى 8 حلقات فقط، ليكون بذلك مسلسل قصير (Mini Series) ومُكثف ويكون وقت الحلقة ساعة كاملة، ولكن حتى مع ذلك فإن الشعور العام الذي كان لدي هو أن المسلسل يتطلب معرفة ضخمة بعالم اللعبة والشخصيات والفصائل، وأي شخص يشاهده بدون معرفة مسبقة سيشعر أنه ضائع وسط السطور لأن القصة تبدأ في الحال، وبدون مقدمات كافية.
المسلسل قدم خط أحداث شخصي لكل شخصية، يبدأ بعرض مشكلته والشيء الذي يبحث عنه، وينتهي مع نهاية الحلقة الأخيرة بمصير كل شخصية، وخط أحداث رئيسي حول عالم المسلسل يتم تحريكه من طرف كل شخصية بالتناوب، وينتهي نهاية غامضة هدفها التشويق للموسم الثاني، وهذا أمر عادةً ما أكره في المسلسلات، وهنا الوضع لم يكن مختلفًا، لأن القصة الأساسية لم تنتهي في المسلسل وهو ما يجعله حاليًا مسلسل غير مكتمل.
أما الحبكات الشخصية فاكتملت بشكل ممتاز، ووصلت لمستوى جعلني أتعلق بالشخصيات وأتشوق لمشاهدتهم مرة أخرى في المواسم المقبلة.
القصة بشكل عام ممتازة وقوية وعميقة، وتناقش أفكار جادة وخطيرة، أهمها تحكم أصحاب الشركات في العالم ومصالحهم من خلف الحروب الكبرى، وأيضًا بعض الأفكار حول العنصرية وسلوك الإنسان الفوضوي والعنيف تجاه الغير.
أعيب على المسلسل محاولة تقديمه أجندات المثلية الجنسية واللاجنسية بلا داعي، فالشخصية التي تم تقديمها أشير لها بـ”هم” كضمير، ولم تلعب دورًا مهمًا ولكن بالطبع نعرف جميعًا ما أصبحت عليه صناعة السينما في هوليوود.
القصة مليئة بالعنف بشكل مفرط، وهو ما لا يعجب البعض ولكن بالنسبة لي أحب العنف المفرط خصوصًا عندما يكون متقن ومُبرر دراميًا. لكن يجب التنبيه على أن المسلسل غير مناسب للأطفال لهذا السبب.
الحبكة والإخراج: هل أثر طول المسلسل على قرته في التركيز على التفاصيل؟
تنتقل كل حلقة بين الشخصيات الثلاثة بشكل سريع، وتغفل عن شرح أو إيضاح أي أيدولوجية للفصائل الموجودة في المسلسل، وهو أمر قد يشعر المشاهدين بالإرباك لأن الحبكة تتحرك سريعًا، خصوصًا وأن الموسم الأول مكون من 8 حلقات فقط.
الحبكة بشكل عام يتم سردها بشكل خطي، مع بعض لقطات الفلاشباك التي تعرض حياة “كوبر هاورد” كممثل هوليوودي شهير في حقبة ما قبل الحرب. وجدت هذه الحبكة أكثر جاذبية لأننا لم نرى الكثير من حقبة ما قبل الحرب في الألعاب، ونهايته كانت أكثر اكتمالًا.
إخراج مشاهد الأكشن كان مميزًا، وعلى الرغم من قلتها نسبيًا إلا أن الأعمال الفنية التي تقدم مشاهد أكشن قليلة وفعالة هي الأقرب لقلبي من تلك التي تقدم تفرط في تقديم الأكشن.
حصلنا في المسلسل على بعض “المهام الجانبية” أو الأحداث التي تشتت الشخصيات الرئيسية عن هدفها الأساسي وتجرهم للإنجراف في أشياء جانبية، وكانت معظمها ممتازة، بل وفي بعض الأحيان أفضل من الحبكة الرئيسية.بشكل عام طريقة السرد رائعة وجذابة لكن تمنيت المزيد من الأحداث الجانبية والأساسية لأشعر أني عشت لفترة طويلة مع المسلسل تمامًا مثل الألعاب.
الأداءات التمثيلية في مسلسل Fallout: من أفضل ما تم تقديمه على الشاشة الصغيرة
الأداء التمثيلي لثلاثي الأبطال كان ممتازًا. أعجبت بشكل خاص بالثنائي Ella Purnell في دور لوسي، والرائع Walton Goggins في دور الغول أو كوبر هاورد) حيث قدما علاقة ديناميكية ما بين الصداقة والعداوة، يمكننا تسميتها بالـMentorship ولكن من نوع خاص. في بداية الأحداث تكون لوسي هاربة من المخبأ الخاص بها، في حياة مثالية مع مجتمع مثالي لا يعرف عن الشر شيء، وتصطدم بواقع مرير تعيشه الولايات المتحدة في فترة ما بعد الحرب، بمجتمع فاسد قائم على الجريمة والبقاء هو أهم ما فيه.
لوسي، ممثلةً للمجتمع المثالي، والغول ممثلًا للمجتمع الذي يحاول النجاة بأي شكل وبأي ثمن يقدما معًا علاقة مميزة وحوارات جذابة طوال الوقت مليئة بالسيريالية والمزاح في بعض الأحيان. الحقيقة أن شخصية Walton Goggins هنا ذكرتني بشخصية The Man in Black في مسلسل Westworld من إخراج نفس المخرج (جونثان نولان) حيث تشعرك دائمًا أن خصومه هم الذين يواجهون الخطر وليس هو مهما وُضع في مواقف صعبة.
شخصية الغول هي شخصية Antihero، رجل يحاول النجاة ويعرف العالم على حقيقته القبيحة ولديه من الحكمة والمهارة ما يكفي لكي ينجو. لا يساعد أحدًا ولكنه ليس شريرًا في الوقت نفسه. تركيبة محيرة وجذابة في الوقت نفسه، وأعتقد ان الأجزاء القادمة تمتلك مساحة كبيرة لتطويرة أكثر من هذا.
أما الأداءات التمثيلية الأخرى كانت ممتازة أيضًا، شخصية Norm Mclean أخو لوسي من تمثيل Moisés Arias قدمت أداء مقنع في شخص يدفعه فضوله لكشف حقيقة شركة Vault Tec و ما يحدث داخل المخابئ والهدف الحقيقي من خلفها، والذي نعلم جميعًا من اللعبة أنها كانت بمثابة اختبار لسكانها.
أداء البطل الثالث Aaron Moten في دور ماسكيماس كان الحلقة الأضعف في رأيي، ولم يليق بأهمية وحجم أخوية الصلب في عالم اللعبة والذي يجب أن يكون أكبر من هذا. معظم حواراته مع الشخصيات الأساسية الأخرى ساذجة، ولم استطع التعاطف معه أو الارتباط به بأي شكل من الأشكال، وأعتقدت أنه اتخذ مجموعة من القرارات الخاطئة وغير المبررة في بداية الحبكة جعلتني أفقد اهتمامي به.
في النهاية، مسلسل Fallout يقدم عالم الألعاب الذي يحمل نفس الاسم بإنتاجية ضخمة وبحبكة تليق به، بدايتها شخصي ولكن سرعان ما تكبر الأمور لتصل إلى مصير البشرية، وأسباب الحرب التي أدت لنهاية العالم كما نعرفه جميعًا. ينجح المسلسل في نقل أجواء اللعبة التي تحمل في طياتها كوميديا سوداء سريالية بشكل عظيم، ووضع حجر الأساس بشكل ناجح لمسلسل قد يستمر لمواسم طويلة على القمة، مع شخصيات لن تنسى.