صناعة البيئات وتشكيل وعي الأعداء: أبرز استخدامات الذكاء الاصطناعي في الألعاب

صناعة البيئات وتشكيل وعي الأعداء أبرز استخدامات الذكاء الاصطناعي في الألعاب

يعتبر الذكاء الاصطناعي موضوعًا متكررًا في أحاديث الكثيرين ممن يهتمون بأمور التقنية، وآخر مستجدات الساحة العالمية فيما يتعلق ببرنامج ChatGPT والأبواب التي فتحها أمام الكثير من الطرق الذكية للاستعانة بالذكاء الاصطناعي لتسهيل حياة البشر، فهناك من يستعمله في عمله، وهناك من يستعمله كأداة اختصار للبحث عن معلومات مؤكدة، وهناك من يخشى من المستقبل.. ماذا لو اكتسبت هذه الأداة الخطيرة وعيًا بطريقة ما، أو سعت لتدمير البشر!

إن راودتك هذه الأسئلة فقد تتفاجأ أن الذكاء الاصطناعي قد شهد استخدامات ثورية في صناعة الألعاب قبل سنوات كثيرة من الثورة التي يحدث عنها الجميع هذه الأيام.

ولذلك، في مقالتنا لليوم سنتطرق إلى استخدامات الذكاء الاصطناعي في ألعاب الفيديو مع الاستشهاد بأمثلة لألعاب كبيرة قامت بذلك بنجاح، بعضها قبل أكثر من 10 سنوات! فلنبدأ.

 الأعداء أكثر وعيًا مما تتخيل!

منذ بداية صناعة ألعاب الفيديو، يعد الذكاء الاصطناعي أو بمعنى أكثر دقة “برمجة الأعداء ليتصرفون بشكل معين” هي الطريقة الرئيسية لصناعة الألعاب وإتاحة الفرصة للاعبين للقتال ضد أعداءهم دون الحاجة للعب شخص آخر ضدهم. ولكن مع تطور الألعاب كصناعة وسعي المطورون لتحسين هذا الجانب قليلًا ظهرت استخدامات عديدة “للذكاء الاصطناعي” والتي تجعل من أسلوب اللعب أمرًا غير متوقعًا للكثير من اللاعبين، وهو ما يزيد المتعة والإثارة.

أحد الأمثلة على هذا الاستخدام للذكاء الاصطناعي جاء في لعبة Metal Gear Solid V: Phantom Pain، فجميعنا يعرف أن اللعبة تتيح نظام تخفي وقتال مفتوح يضعك أمام اختيار نوعية الأسلحة الخاصة بك، وطريقة تنفيذك للمهمات سواء عن طريق التسلل، أو حتى عن طريق القتال الفوضوي المباشر، ولكن هذا ليس كل شيء. ففي تلك اللعبة الصادرة في 2015، ستجد أن الأعداء يحاولون التكييف ضد طريقة لعبك بحيث يضعون الأضواء في كل مكان إذا كنت أنت معتادًا على استخدام أسلوب التخفي كثيرًا، أو يبدؤون في ارتداء الخوذات إذا كنت أنت معتادًا على تسديد الـ Head Shots بشكل كثيف، أو حتى ارتداء الدروع في حالة كنت تحب إطلاق النيران عليهم بشكل مباشر. ذلك النظام جاء كشكل من أشكال التفاعل للذكاء الاصطناعي الخاص باللعبة مع اللاعب بحيث تتغير تجربة اللاعب لأكثر من مرة على مدار عمر اللعبة، ولا يضطر لتثبيت أسلوبه طوال مشواره مع العنوان.

ولكن هل كان هذا هو الاستخدام الوحيد للذكاء الاصطناعي في خلق ما يشبه الوعي للأعداء؟

في الحقيقة، هناك مثالين أكثر أهمية ظهرا في لعبتين صدرتا قبل Metal Gear Solid V، وهما الغنية عن التعريف The Elder Scrolls IV: Oblivion والصادرة في 2006، والمحبوبة Middle Earth: The Shadow of Mordor التي صدرت في 2014. دعونا نتحدث عن كل واحدة منهما بالتفصيل.

أما في Oblivion، كان نظام Radiant AI حاضرًا وبقوة بحيث يجعل تصرفات الشخصيات المحيطة باللاعب غير متوقعة بشكل كبير، لدرجة أن مطور اللعبة (استديو بيثيسدا) اضطر إلى إصدار تحسينات لاحقة لتقليل من وتيرة تصرفات الشخصيات بحيث لا تخرب اللعب، لأن في بعض الأحيان مثلًا كانت شخصية رئيسية تقوم بسرقة شيء ما من شخصية أخرى، وتدخل في معركة تنتهي بمقتلها، قبل حتى أن تتحدث أنت إليها وتستلم مهمتك الجديدة مما يجعل التقدم في اللعبة أمرًا مستحيلًا. الفكرة نفسها كانت رائعة، إذ أن تفاعل الشخصيات شهد تحولًا ثوريًا في الإمكانيات التي يمكن للمطورين الآخرين العمل على تحسينها لاحقًا.

لعبة TES:Oblivion كانت البداية الفعلية لتطور الذكاء الاصطناعي ليشبه الوعي في الألعاب.

إذا ارتكبت جريمة ضد شخصية ما، فقد يرسلون لك من يروعك “لتعليمك درسًا” ، أو حتى استئجار قاتل من جماعة Dark Brotherhood. إذا قُتلت شخصيات معينة، فقد يقوم الآخرون بأدوارهم (على سبيل المثال: سوف يصبح Ysolda مالك The Bannered Mare إذا تم قتل المالك الأصلي). إذا قمت بإسقاط عنصر ما على الأرض، فقد تسأل الشخصيات عما إذا كان بإمكانهم الحصول عليه، أو تقول “لماذا فعلت ذلك؟”

امتلكت Shadow Of Mordor نظام ذكاء اصطناعي مميز يسمى Nemisis System بحيث يمتلك الأعداء ذاكرةً تجعلهم يتذكرونك عند مقابلتك لمرة أخرى، سواء كان اللقاء السابق انتهى بموتك أو موت أحد أصدقائهم. عند الانتصار على جيش من مخلوقات “الـ أوركس” تجد أن بعضًا منهم يلوذ بالفرار، وخلال رحلتك في عالم اللعبة يمكنك أن تقابل هؤلاء الذين فروا مسبقًا من معركةً ضدك، وسيخبرونك وقتها بأنهم يتذكرونك ويتذكرون ذبحك وقتلك لأشقائهم وأصدقائهم، أو أنهم يتذكرون قتلك (إذا كانت معركتك السابقة معهم انتهت بالموت). ليس ذلك وحسب بل أن اللعبة امتلك نظام ترقيات في رتب هؤلاء الأعداء بحيث يحصل هؤلاء الذين تغلبوا عليك على رتبًا أعلى ومراكز أكبر.

الذكاء الاصطناعي يساعدك في الحصول على أكثر تجربة مرعبة ممكنة!

في لعبة Dead Space Remake جاءت تقنيات الذكاء الاصطناعي من خلال تقنية جديدة تسمى Intensity Director وهي تقنية مسؤولة عن تنظيم توزيع الأعداء في بيئات اللعب بشك عشوائي بحيث تكون كل تجربة تقوم بها أنت مختلفة عن سابقتها. وداعًا لحفظ أماكن الأعداء وتحول ألعاب الرعب إلى تجربة روتينية مع ازدياد أعداد مرات لعبك للتجربة. الآن بفضل هذه التقنية أصبح تواجد الأعداء ومفاجئتهم لك أمرًا عشوائيًا ينظمه الذكاء الاصطناعي بشكل كامل، أي أنك مهما لعبت اللعبة وأنهيتها، لن تصل إلى درجة حفظ ومعرفة توقيتات وأمامكن مباغتة الأعداء لك.

يساعد ذلك الشعور بعدم المعرفة الدائمة على خلق شعور التوتر المطلوب في أي لعبة رعب ضخمة وقوية مثل Dead Space، ويمكن أيضًا أن نتوقع أن يتم استخدام في المستقبل بشكل موسع وربما في ألعاب بتصميم العالم المفتوح!

لم تكن هذه هي المرة الأولى التي يستخدم فيها الذكاء الاصطناعي في ألعاب الرعب حيث استخدمته لعبة Resident Evil 4 الصادرة في 2005 بطريقة تجعل صعوبة اللعبة أكثر ملائمة لمستواك كلاعب. فعندما تتعرض للموت بشكل متكرر ستجد أن الأعداء أصبحوا أقل صعوبة وعدوانية وبطئًا في حركتهم، والعكس عندما تجد اللعبة بأنك تتقدم في الأحداث بسرعة وتجتاز المعارك بلا صعوبات، تزداد وقتها الصعوبة وعدوانية الأعداء بشكل شديد.

المنافسون في فيفا يلعبون ضدك بأسلوبك!

من خلال إصدارة FIFA 23، تم تقديم تقنية “التعلم الآلي” والتي تمكن الذكاء الاصطناعي من اللعب ضد اللاعبين بأسلوبهم من خلال ملاحظة طريقة لعبك ومحاولة الدفاع ضدها، أو حتى استخدامها ضدك في الهجوم. لن يحدث ذلك معك فقط، بل مع ملايين من مستخدمي فيفا، وعندما تلعب بأحد أطوار الأونلاين أمام الذكاء الاصطناعي ستجد بأنه يتطور كلما زاد لعبك لأنه كون ما يشبه “الوعي الجمعي” مستخدمًا خليط بين كل الأساليب والخطط والتكتيكات التي يستخدمها اللاعبون ضده.

هذه التقنية جعلت ممن يفضلون اللعب فرديًا في لعبة فيفا يتعرضون لقدر أكبر من التحدي من ذي قبل، كما أنهم أصبحوا يلعبون ضد كل اللاعبين الآخرين بشكل غير مباشر. تخيل لو تم بطريقةً ما تعميم هذه التقنية بحيث تكون في جميع الألعاب التنافسية أو ألعاب الشوتر؟ تقنية التعليم الآلي لازال أمامها هامش ضخم من التحسن ويمكن أن تكون هي مستقبل استخدامات الذكاء الاصطناعي في ألعاب الفيديو.

تقنية التوليد الإجرائي…عالم كامل يصنعه الذكاء الاصطناعي

تعتبر تقنية التوليد الإجرائي (Procedural Generation) أحد أهم التقنيات في الفترة الأخيرة، خصوصًا مع اقتراب إصدار لعبة Starfield التي تعتمد بشكل مكثف على تلك التقنية الخاصة بتوليد البيئات بشكل عشوائي عن طريق جمع مجموعة ضخمة من الأصول التي بناها المطورون بشكل يدوي. أي أن دور الذكاء الاصطناعي يقتصر على اختيار العناصر المبنية يدويًا والتعديل عليها بعض الشيء من خلال الشكل، اللون والموقع، ثم وضعها في بيئة اللعب.

 ليست “ستارفيلد” أول عنوان استخدمت هذه التقنية استخدامًا موسعًا، فقد رأيناها مسبقًا في لعبة No Man’s Sky التي اعتمدت بشكل كامل على هذه التقنية في إنتاج بيئات غير محدودة، ومئات الآلاف من الكواكب والمجرات التي يمكنك التنقل بينها، ولكن استخدام هذه التقنية بشكل موسع دون “إرشاد يدوي” من المطورين نتج عنه خروج اللعبة للنور بتصميم متكرر وملل لا يدعو بشكل حقيقي للاستكشاف ولا يبقي اللاعبين مهتمين بذلك لفترة طويلة.

ستارفيلد ليست المرة الأولى التي يستخدم فيها المطور نفسه (استديوهات بيثيسدا) تلك التقنية فقد كانت حاضرة بقوة من خلال The Elder Scrolls Skyrim و Fallout 4 من خلال توليد بعض المهام الجانبية المتعلقة بجمع الأشياء والحصول على نقود (بعملة اللعبة الداخلية) وضمان ألا تنتهي تلك المهمات طوال اهتمام اللاعب بالاستمرار في إتمامها.

أما في ستارفيلد فالوضع سيكون مختلفًا حيث تمتلك اللعبة محتوى مصمم يدويًا من قِبل المطورين بكثافة أكبر من أي لعبة سابقة من الاستوديو، ولكن رغبةً من الاستوديو في جعل تجربة “استكشاف الفضاء” أكثر واقعية، قرر تضمين ألف كوكب، مع ضمان أن تكون مظاهر الحياة حاضرة على 100 من تلك الكواكب (أي 10% منهم) واستخدام تقنيات التوليد الإجرائي لتصنيع معظم تلك الكواكب وتصميمها جغرافيًا بحيث تختلف عن بعضها دون أن تسبب عناءً للمطورين. يبقى أن ننتظر ونرى كيف سيتم استغلال التقنية مع لعبة ستارفيلد عندما تصدر في سبتمبر القادم.

استخدام الذكاء الاصطناعي في رفع أداء الألعاب مع بطاقات رسوم RTX 40

تعد تقنية  Deep Learning Super Sampling خصوصًا في نسختها الثالثة (DLSS 3.0) في بطاقات رسوم Nvidia RTX 40 وتقنية FSR في بطاقات رسوم AMD تقنيات ثورية في رفع أداء الألعاب بحيث تجعل من الأداء في معظم الألعاب الداعمة لتلك التقنية يصل لمستويات غير مسبوقة من السلاسة، ومن خلال الفيديو أدناه يمكننا رؤية ألعاب مثل Cyberpunk 2077 و A plague tale reqium وهي ألعاب عانت تقنيًا في جانب معدل الإطارات الذي لم يزد عن 60 إطارًا على أعلى إعدادات بحد أقصى، ولكن مع التقنية الجديدة وصل أداء تلك الألعاب لما يقترب من 150 إطارًا في الثانية.

أما عن كيفية عمل هذه التقنية الرائعة فيمكننا شرحها بشكل مبسط من خلال القول بأن الذكاء الاصطناعي يعالج الإطارات المتوفرة (فلتكن 50 إطارًا بالثانية) ويحاول خلق ومعالجة إطارات إضافية فيما بين كل إطار والآخر ليزداد عدد الإطارات بشكل ضخم. بالطبع تحتاج هذه التقنية إلى قوة معالجة جبارة لذلك هي متوافقة فقط مع بطاقات رسوم الجيل الجديد فقط، ومن خلال استخدامها مع بعض الألعاب التي تعاني من المشاكل التقنية مثل The Lord of the rings Gollum نجد بأن التقنية تساعد في إخفاء إخفاقات المطورين بشكل كبير وتحسين أداء اللعبة بشكل غير مسبوق، فهل يمكن أن تضر الصناعة أكثر من نفعها لها؟

كانت هذه يا أعزائي، بعض الاستخدامات البارزة لتقنيات الذكاء الاصطناعي التي تعد علامات فارقة في تاريخ صناعة الألعاب بين الفترة الأخيرة، وحتى تجارب مرت عليها سنوات عديدة ولم يحاول أحد تكرارها، لكن الهدف من مقالتنا لليوم هو إثبات أن الذكاء الاصطناعي كان حاضرًا في صناعة الألعاب بقوة، ولعب دورًا محوريًا في الكثير من التجارب العظيمة والمهمة حتى قبل أن يظهر “ChatGPT” في الصورة.

 عِش معنا متعة اللعب على أصولها.. لمزيد من المقالات الرائعة تابعو قناتنا على واتساب.

وسوم

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest

0 Comments
Inline Feedbacks
View all comments
0
Would love your thoughts, please comment.x
()
x